العدوى وانتقالها
السل مرض معد ينتشر عبر الهواء شأنه شأن الإنفلونزا العادية. ولا ينقل السل إلاّ الأشخاص الذين يصيبهم المرض في الرئتين. فحينما يسعل هؤلاء الأشخاص أو يعطسون أو يتحدثون أو يبصقون، فهم يفرزون في الهواء الجراثيم المسبّبة للسل والمعروفة باسم "العصيّات". ويكفي أن يستنشق الإنسان قليلاً من تلك العصيّات ليُصاب بالعدوى.
ويمكن للشخص المُصاب بالسل النشط،، إذا تُرك بدون علاج، أن ينقل العدوى إلى عدد من الأشخاص يتراوح معدلهم بين 10 أشخاص و15 شخصاً في العام. غير أن أعراض المرض لا تظهر بالضرورة لدى كل من يُصاب بتلك العصيّات. فالنظام المناعي يقاوم تلك العصيّات التي يمكن أن تظل كامنة لمدة أعوام بفضل احتمائها داخل رداء شمعي. وعندما يضعف النظام المناعي لدى المصاب بتلك العصيّات تتزايد احتمالات إصابته بالمرض.
- تحدث في كل ثانية إصابة جديدة بالعدوى الناجمة عن عصيّات السل
- بوجه عام، يحمل ثلث سكان العالم حالياً العدوى الناجمة عن عصيّة السل
- تظهر الأعراض المرضية أو القدرة على نقل المرض، في مرحلة من المراحل، على نسبة تتراوح بين 5 و10% من الأشخاص المصابين بعصيّات السل (من غير المصابين بفيروس الأيدز). واحتمال ظهور أعراض السل أكبر بكثير لدى الأشخاص المصابين بحالات ترافق ذلك المرض بفيروس الأيدز.
معدلات حدوث المرض على الصعيدين العالمي والإقليمي
تشير تقديرات منظمة الصحة العالمية إلى أنّ إقليم جنوب شرق آسيا شهد حدوث أكبر عدد من حالات السل الجديدة في عام 2008، فقد بلغت الحالات في ذلك الإقليم نسبة 35% من مجموع الحالات المسجّلة على الصعيد العالمي. بيد أنّ التقديرات تفيد أيضاً بأنّ معدل حدوث المرض بين السكان في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى بلغ ضعف معدل حدوثه في جنوب شرق آسيا، إذ تجاوز 350 حالة لكل 000 100 نسمة.
كما تشير التقديرات إلى تسبّب السل في وفاة 1.7 مليون شخص في عام 2009. والجدير بالذكر أنّ أكبر عدد الوفيات سُجّل في الإقليم الأفريقي.
وفي عام 2008، كانت معدلات حدوث السل بين السكان في حالة ثبوت أو انخفاض في جميع أقاليم منظمة الصحة العالمية الستة. غير أنّ نمو السكان حجب الانخفاض البطيء في معدلات حدوث المرض بين السكان، ممّا أدّى إلى استمرار ارتفاع عدد الحالات الجديدة كل عام في جميع أنحاء العالم، ولاسيما في أقاليم المنظمة لأفريقيا وشرق المتوسط وجنوب شرق آسيا.
المعدلات التقديرية لحدوث السل وانتشاره ووفياته، 2009
حدود عدم اليقين التي استُخدمت لإعداد الجدول أدناه متاحة في التقرير الخاص بمكافحة السل على الصعيد العالمي 2010 (الجدول 1، الصفحة 5).
| الحدوث (أ) | الانتشار (ب) | معدل وفيات السل |
إقليم منظمة الصحة العالمية | العدد (بالآلاف) | النسبة من عدد الحالات الإجمالي العالمي | لكل 100 000 شخص | العدد (بالآلاف) | لكل 100 000 شخص | العدد (بالآلاف) | لكل 100 000 شخص |
أفريقيا | 2 800 | 30% | 340 | 3 900 | 450 | 430 | 50 |
الأمريكتان | 270 | 2.9% | 29 | 350 | 37 | 20 | 2.1 |
شرق المتوسط | 660 | 7.1% | 110 | 1 000 | 180 | 99 | 18 |
أوروبا | 420 | 4.5% | 47 | 560 | 63 | 62 | 7 |
جنوب شرق آسيا | 3 300 | 35% | 180 | 4 900 | 280 | 480 | 27 |
غرب المحيط الهادئ | 1 900 | 21% | 110 | 2 900 | 160 | 240 | 13 |
الصعيد العالمي | 9 400 | 100% | 140 | 14 000 | 164 | 1 300 | 19 |
أ) الحدوث: الحالات الجديدة التي تظهر في فترة محدّدة ب) الانتشار: عدد الحالات الموجودة بين السكان في نقطة أزمنية محدّدة |
فيروس الأيدز والسل
يشكّل اجتماع فيروس الأيدز والسل توليفة قاتلة، فكلاهما يسهم في تنشيط الآخر. والجدير بالذكر أنّ فيروس الأيدز يضعف الجهاز المناعي. وعليه فإنّ احتمال ظهور أعراض مرض السل لدى حاملي ذلك الفيروس المصابين بعصيّات السل يفوق بكثير احتمال ظهورها لدى الأشخاص الذين لا يحملونه. ويُعد السل من أهمّ أسباب الوفيات بين حاملي فيروس الأيدز، علماً بأنّ ذلك الفيروس يأتي في مقدمة العوامل الرئيسية التي تسهم في زيادة معدلات حدوث السل منذ عام 1990.
وشكّلت منظمة الصحة العالمية، بالتعاون مع شركائها الدوليين، الفريق العامل المعني بحالات ترافق عدوى السل وفيروس الأيدز، وهو فريق يعكف على وضع سياسات عالمية في مجال مكافحة السل المرتبط بفيروس الأيدز وتقديم نصائح إلى الجهات التي تكافح ضدّ السل وفيروس الأيدز لتمكينها من تبيّن أساليب التعاون فيما بينها من أجل التصدي لهذه التوليفة القاتلة. وتبيّن السياسة المؤقتة الخاصة بالأنشطة التعاونية في مجال السل وفيروس الأيدز الخطوات اللازم اتخاذها لاستحداث آليات تمكّن من إقامة تعاون بين برامج مكافحة السل وبرامج مكافحة الأيدز والعدوى بفيروسه، وذلك بغية التخفيف من عبء السل في أوساط حاملي فيروس الأيدز ومن عبء فيروس الأيدز في أوساط مرضى السل.
السل المقاوم للأدوية
لم يكن هناك، قبل السنوات الخمسين الماضية، أدوية تمكّن من علاج السل. أمّا الآن فقد تم توثيق السلالات المقاومة لدواء واحد في جميع البلدان المشمولة بدراسات استقصائية في هذا المجال؛ غير أنّه تم تسجيل ظهور سلالات مقاومة لجميع الأدوية الرئيسية المضادة للسل. وحالات السل المقاوم للأدوية ناجمة عن العلاج غير المناسب أو العلاج الجزئي، أي عندما لا يأخذ المرضى جميع أدويتهم بانتظام أثناء الفترة المحدّدة لهم بسبب شعورهم بتحسن حالتهم الصحية، أو نظراً لنزوع الأطباء والعاملين الصحيين إلى وصف خطط علاجية خاطئة، أو نظراً لعدم موثوقية الإمدادات الدوائية. ويتمثّل أكثر أشكال السل المقاوم خطورة في السل المقاوم للأدوية المتعدّدة، الذي يُعرّف بالمرض الناجم عن عصيّات السل الكفيلة بمقاومة الإيزونيازيد والريفامبيسين على الأقل، وهما أكثر الأدوية فعالية ضد السل. ومعدلات السل المقاوم للأدوية المتعدّدة ترتفع في بعض البلدان، وبخاصة في الاتحاد السوفييتي السابق، وتهدّد جهود مكافحة المرض هناك.
وعلى الرغم من التمكّن عموماً من علاج حالات السل المقاوم للأدوية، فإنّ تلك الحالات تقتضي معالجة كيميائية مكثّفة (قد تصل مدّتها إلى عامين) بأدوية الخط الثاني التي تفوق تكاليفها في غالب الأحيان تكاليف أدوية الخط الأوّل، كما أنّها تتسبّب في حدوث تفاعلات ضائرة أكثر وخامة، حتى وإن أمكن تدبيرها. وأصبحت أدوية الخط الثاني المضادة للسل والمضمونة النوعية متوافرة بأسعار منخفضة للمشاريع المعتمدة من قبل لجنة الضوء الأخضر.
ويشكل ظهور السل الشديد المقاومة للأدوية، خصوصاً في المواقع التي يكون فيها مرضى السل مصابين بفيروس الأيدز أيضاً، خطراً كبيراً على جهود مكافحة السل ويؤكّد الحاجة الماسّة إلى تعزيز أنشطة مكافحة السل العادي وتطبيق دلائل منظمة الصحة العالمية الجديدة لتدبير حالات السل المقاوم للأدوية من خلال برامج محدّدة
استراتيجية دحر السل، الخطة العالمية لدحر السل في الفترة 2006-2015 والأهداف المرتبطة بمكافحة السل
في عام 2006، أطلقت منظمة الصحة العالمية الاستراتيجية الجديدة لدحر السل. ويتمثّل لبّ تلك الاستراتيجية في المعالجة القصيرة الأمد تحت الإشراف المباشر (استراتيجية الدوتس)، وهو أسلوب أخذت به المنظمة في عام 1995 من أجل مكافحة السل. ومنذ ذلك العام تم علاج 41 مليون مريض بفضل الخدمات المقدمة في إطار تلك المعالجة. وتستند الاستراتيجية الجديدة المكوّنة من ست نقاط إلى النجاح المحرز في إطار المعالجة المذكورة وتعترف في الوقت ذاته بالتحديات الرئيسية التي تطرحها حالات ترافق عدوى السل بفيروس الأيدز وحالات السل المقاوم للأدوية المتعدّدة. وتتناول تلك الاستراتيجية أيضاً القيود المفروضة في مجال توفير فرص العلاج ومجالي الإنصاف والنوعية، كما أنّها تعتمد الابتكارات المسندة بالبيّنات لدى الاشتراك مع مقدمي الرعاية الصحية التابعين للقطاع الخاص وتمكين الفئات السكانية والمجتمعات المحلية المتضرّرة والمساعدة على تعزيز النُظم الصحية وتشجيع الأنشطة البحثية.
والعناصر الستة التي تتكوّن منها تلك الاستراتيجية هي:
- مواصلة توسيع وتعزيز الخدمات العالية الجودة المقدّمة في إطار استراتيجية المعالجة القصيرة الأمد تحت الإشراف المباشر (استراتيجية الدوتس): إتاحة الخدمات العالية الجودة على نطاق واسع لجميع الأشخاص الذين يحتاجونها، بمن فيهم أشدّهم فقراً واستضعافاً، ممّا يقتضي توسيع نطاق استراتيجية الدوتس ليشمل أكثر المناطق عزلة
- مواجهة حالات ترافق عدوى السل بفيروس الأيدز وحالات السل المقاوم للأدوية المتعدّدة واحتياجات الفئات الفقيرة والمستضعفة: تقتضي مواجهة كل هذه التحديات اتخاذ المزيد من الإجراءات والقيام بإسهامات تفوق بكثير ما يُضطلع به في إطار تنفيذ استراتيجية الدوتس، كما أنّها ضرورية لبلوغ الأهداف المحدّدة الواجب تحقيقها بحلول عام 2015، بما في ذلك المرمى الإنمائي للألفية المتعلق بالسل الذي حدّدته الأمم المتحدة (المرمى 6؛ الهدف 8).
- إسهام في تعزيز النُظم الصحية استناداً إلى الرعاية الصحية الأولية:يجب أن تسهم البرامج الوطنية لمكافحة السل في مجمل الاستراتيجيات الرامية إلى تطوير التمويل والتخطيط والإدارة والإعلام ونُظم الإمداد وتعزيز الخدمات الابتكارية في مجال إيتاء الخدمات.
- إشراك جميع مقدمي خدمات الرعاية: يلتمس مرضى السل خدمات الرعاية من طائفة واسعة من مقدمي تلك الخدمات، بمن فيهم العاملون التابعون للقطاع العام والقطاع الخاص والشركات ومقدمو خدمات الرعاية المتطوعون. وللتمكّن من الوصول إلى جميع المرضى وضمان استفادتهم من خدمات الرعاية العالية الجودة، ينبغي إشراك جميع فئات مقدمي خدمات الرعاية.
- تمكين مرضى السل والمجتمعات المحلية من خلال الشراكات: لقد بيّنت المشاريع المجتمعية لرعاية مرضى السل كيف يمكن للناس والمجتمعات المحلية الاضطلاع ببعض الوظائف الأساسية في مجال مكافحة السل. ويمكن أن تسهم تلك الشبكات في استنهاض المجتمعات المدنية وضمان الدعم السياسي والاستدامة لبرامج مكافحة السل.
- دعم البحوث وتعزيزها: على الرغم من قدرة الأدوات الراهنة على مكافحة السل، فإنّ تحسين الممارسات والنُهج المتّبعة للقضاء على هذا المرض سيعتمد على أساليب التشخيص والأدوية واللقاحات الجديدة.
وكما جاء في الخطة العالمية لدحر السل في الفترة 2010-2015 سيتم تنفيذ الاستراتيجية المذكورة على مدى السنوات العشر القادمة. وتلك الخطة ليست إلاّ تقييماً شاملاً للإجراءات والموارد اللازمة لتنفيذ استراتيجية دحر السل وبلوغ الأهداف التالية:
- المرمى الإنمائي للألفية 6، الهدف 8: وقف انتشار السل بحلول عام 2015 وبدء انحساره اعتباراً من ذلك التاريخ
- الأهداف المرتبطة بالمرامي الإنمائية للألفية والتي تحظى بدعم شراكة دحر السل:
- بحلول عام 2005: الكشف عما لا يقلّ عن 70% من حالات السل الجديدة التي تثبت لديها إيجابية لطاخة البلغم، والعمل على إشفاء 85% منها على الأقل
- بحلول عام 2015: تخفيض معدلات انتشار السل ووفياته بنسبة 50% ممّا كانت عليه في عام 1990
- بحلول عام 2050: التخلّص من السل كإحدى مشكلات الصحة العمومية (حالة واحدة لكل مليون ساكن)
التقدم المحرز نحو تحقيق الأهداف المنشودة
بلغ متوسط النجاح العلاجي المحقّق في إطار استراتيجية الدوتس لعام 2008، نسبة 86% إجمالاً، وتجاوز بالتالي الهدف المحدّد لذلك النجاح والبالغ 85%. وتمكّنت 13 بلداً من مجموع البلدان التي تنوء بعبء فادح جرّاء السل والبالغ عددها 22 بلداً من تحقيق ذلك النجاح. غير أنّ معدلات الشفاء في الإقليمين الأفريقي والأوروبي وإقليم الأمريكتين لم تصل إلى 85%.
ومن المحتمل أن تكون معدلات حدوث السل في العالم قد بلغت ذروتها في عام 2004. وعليه فإنّ العالم بأسره بات على الطريق لبلوغ الهدف المتمثّل في وقف انتشار السل وبدء انحساره. وتتراجع معدلات الإصابة بالمرض في خمسة من أقاليم المنظمة الستة (والاستثناء هو إقليم جنوب شرق آسيا حيث إن هناك ثباتاً في معدل الإصابة بالمرض). وجميع أقاليم المنظمة في سبيلها إلى تحقيق هدف خفض معدل الوفاة والانتشار بمقدار 50%، باستثناء الإقليم الأفريقي (على الرغم من تراجع معدلات الوفاة).