التناول
النيروبسيكياتري : إن الاهتمامات الأولى
بمفهوم التصور الجسدي بدأت مع التيار النور ولوجي neurologie
و
الطب النفسي psychiatrie
. ولقد فهم من البحوث الأولى في هذا الميدان أن
علماء الأعصاب الأوائل قد حاولوا تمييز التصور الجسدي تحت مسمى [la cénesthésie
] أي
الإحساس المشترك الذي يعرفه peisse
1844 بأنه »
ذلك الإحساس الذي يظهر الجسد بشكل مستمر على مستوى الأنا ، كملك خاص ، والذي يسمح
للفاعل الروحي بالإحساس بتواجده ضمن حيز محدود ببنية عضوية « [1] فالسينيستيزي تعني أساسا ذلك التركيب من الإحساسات
ذاتية التنبيه intéroceptive
وذاتية الاستجابة proprioceptive
في
نفس الوقت . الشكل رقم 01 : مخطط توضحي لتكامل مكونات
الإحساس المشترك N.sillamy (1997) [2] أما Taine
ثم من بعده Teodule ribot
فقد تكلما عن الإحساس بالجسد [sens du
corps
] وذلك بالتأكيد على موضوع نوعية الوظائف النفسية التي تتجمع من
اجل التعرف على الجسد الخاص ، وذلك من خلال الإحساسات الداخلية ، أما الإحساسات
الخارجية فتدخلها لا يعدو مجرد عملية الضبط والتحكم الفضائي . إن
الخاصية الصناعية لهذا التصور أثارت ردة فعل المدرسة الألمانية عند كل من Wenike C.
(1905/1848)
وتلاميذه & A.Storck O.foerster
وممثليها في فرنسا كل من Furent deny
& Camus
.فقد أعطت هذه المدرسة
استنتاجات مبكرة في وصفها للجهاز الحسي ؛ فالمعطيات الحسية والحس حركية هي مخصصة لإدراك
الوضعية ، والتغير الذي يحدث على مستوى أجزاء الجسم .[3] فالإحساسات العضوية الخارجية و ما يقابلها من
" صورها المختزنة في الذاكرة " تتوحد حسب Wernike
مع الصور الخاصة بالأحاسيس الداخلية لتكون إحساسا مشترك ، كإحساسنا
بتواجدنا الجسدي [ existence
corporelle
] و بشخصيتنا الفيزيائية [ personnalité
physique
].
ووفقا لـ Deny & Camus
» إن
كل التجمعات للصور المختزنة في الذاكرة و في أنحاء الجسم تفرض علينا مفهوم أجسامنا
«[4] ولقد
أطلق Forster
اسم الجسد نفسي [somatopsyché
] كتعويض
لمصطلح " الإحساس المشترك " ،وقد عزى اضطراب " العجز الوظيفي
الجسد-نفسي " [afonction de la somato-psychique
] أو"
مرض الإحساس المشترك " [ cénesthésiopathie
] ؛
عزاهما إلى ظاهرة " اللاشخصية " [ dépersonn-alisation
] وذلك من ناحية علاقة الجسم ، ومفهومه حول
الواقع . لقد أشار 1904 ) A .pick
) ضمن دراسته حول " عمه وضع الأعضاء
" [ autotopoagnosie
] إلى أهمية إدراك الأنا الفسيولوجي ؛ فتحليل
هذا الاضطراب قاده إلى الحديث عن " الصورة الفضائية للجسم " أين يستحضر
المصاب بها لائحة إكلينيكية مضاعفة : بدا
من استحالة تحقيق الحركة " المنعكسات " من جهة ، واضطراب التموضع لبعض أعضاء
الجسم من جهة أخرى . فهذا
الاضطراب يظهر من خلال »
صعوبة التنسيق بين الصورة الجسدية و المكان الموجودة فيه ؛ حيث يفقد المضطرب
القدرة على تحديد الاتجاهات بالنسبة إلى جسمه الخاص «[5] ويرى
F .gantheret
(1976)
أن مصطلحات الصورة [ image
] و التصور [ schéma
]
قد ادخلا أول ما ادخلا من طرف A .pick
وتم مراجعتها من طرف Lhermitte
الذي
تكلم عن مسالة التقدير المستمر لتصور الجسم مما يوضح أننا دائما أمام استمرارية
شعورية بتصور أجسامنا، إلا إذا كان الفعل غير ممكن ، فالشعور يصور وضعيتنا ووضعية إطرافنا
وصورة غلافنا الجسدي مما يضمن لنا انجاز الفعل.[6]
ويعتبر P.Bonnier
الذي درس اتجاهات الفرد
نحو جسمه قبل مطلع عام (1900) ممن مهدوا لدراسات تقدمية لصورة الجسم [7] فمنذ (1893)
وضع Bonnier
في
كتابه (le vertige
) وضع مجموعة مفاهيم والتي أعاد تأكيدها في (1905)
في رده على deny & camus
حيث رفض مصطلح " الإحساس المشترك " كونها غير ملائما ، فلا وجود عنده
لما يسمى بالإحساس المشترك في علم الفسيولوجيا ، وان كل الاضطرابات التي كانت تعزى إلى " العجز الوظيفي الجسد-نفسي
" [ afonction de somatopsyche
]
قام Bonnier
بعزوها إلى " اضطراب التصورية " [
aschematie
] . كما
ادخل Bonnier
فكرة الصورة المحددة [ image précise
] والتي نملكها عن أجسامنا ، والتي تستقرا
بفعل الإحساسات الخارجية والداخلية ، فهذه الصورة يمكنها أن تعيين تموضعنا بدقة ،
كما يمكنها أن تبرز كمفهوم معاصر للتصور الجسدي .[8] أما
السيد Henry Head
فقد كان أول مؤسس لنظرية حول التصور الجسدي
، ليوضح كيف انه لكل منا تصورا لتكامل أجزاء جسمه ومن ثم و معايير يحكم بها على أوضاع
وتحركات جسمه .[9] وقد
ارتكزت أعمال Head
على الملاحظات العلمية للمصابين بجراح
الجمجمة ، وقد ميز بين ثلاث أنواع من التصورات هي : Y التصورات
الوضعية
: والتي تؤمن القوام الجسدي ، ووضعيته في الفضاء .Y التصورات
في مساحة الجسم : والتي تؤمن تحديد مناطق الإثارة أو التنبيه المحيطية .Y التصورات
الوقتية :
والتي تؤمن التباعد الزمني بين مختلف التنبيهات أو الإثارة الحاصلة في الجسم .[10] كما يرى Head
أن وجود
التصور الجسدي ضروري من اجل وجود تنظيم مكاني و زماني واعتمادا على هذا التصور
نسجل بان مجموع الصور الطبوغرافية ، والمخططات العصب- فسيولوجية هي التي تضمن التسجيل
المستمر لهذه الصورة ؛ هذه المخططات تنتظم حول قطبين :· قطب
حسي-محيطي .· قطب
مركزي-نفسي .[11]ومن بين الأدلة التي
تؤيد هذا الطرح تلك التي جاءت عن علم الأمراض la pathologie
وبالأخص تلك المسمات :¿ ألعمه
الجسدي asomatognosie
.¿ عمه
المرض anosognosie
.¿ العضو
الموهوم la membre fantôme
، أين
يحتفظ 70الى 80% من الأشخاص المبتورين لعضو ما بعد عمر الستة سنوات ، يحتفظون
بالصورة الأولى السابقة عن البتر ، ويعتقدون باستمرارية وجود هذا العضو .
كما أن الإصابة على مستوى الأخدود ألجداري الأيمن[ sillon interpariétal droit
] قد أدت حسب بعض الدراسات إلى حذف النموذج الوضعي[
modèle postural
] الشيء الذي يؤكد على أن هذا التصور هو مفهوم
عصبي بحت .[12] إن الأهمية
الكبيرة التي أعطاها أصحاب الاتجاه النورولوجي لظاهرة العضو الموهوم تركت J .Charcot
(1888) يتساءل منكرا ، لماذا لم تنجح العلاجات
الكيماوية أو الجراحية في إزالة هذه الإصابة ؟ ويجيب Charcot
ذاته عن سؤاله متخذا موقفا واضحا »ذلك أن أساس هذه الظاهرة ليس إلا أساسا نفسيا بحتا « .[13] التناول التحليلي : من المعروف
أن S .Freud
كان طبيبا حتى تاريخ (1885)
تاريخ انصرافه إلى باريس بهدف متابعته تعليمه عند Charcot
أين كان
مستغرقا في دراسة علم أمراض الجهاز العصبي لذلك يمكن القول انه ومنذ البداية كان
يتعامل مع الجسد بكل حضوره . كما
يمكن القول أن تطور التحليل النفسي أهمل الجسد بالمنظور البيولوجي فاعتبر أن الجسد
يدخل ضمن الهوامات [ les fantasme
] أين نوقش تحت مسميات "
كالجسد الغريب" [ drôle corps
] أي ذلك الجسد الذي ليس له أي روابط مع الجسد الحقيقي فهو يعيش ضمن
الشرحات الهوامية [ anatomie
fantastique
][14]
هذا وقد ربط فرويد ربطا محكما بين مفهوم الأنا و الجسد البيولوجي فقد أكد في كتابه
" الأنا و الهو" (1923) على أن »
الأنا هو قبل كل شي آخر ، هو أنا جسدي ، فهو ليس مجرد كائن سطحي بل انه هو نفسه
إسقاط للسطح « [15]. وفي
ملاحظة أضافها عام (1927) والتي أكد من خلالها متابعة نفس التصور ، فقد قال في هذا
» يشتق الأنا في نهاية المطاف ، من الأحاسيس
الجسدية لا سيّما تلك التي تتولد عن سطح الجسد ، ويمكن أن تؤخذ على أنها إسقاط
نفسي لسطح الجسد ، من الناحية العملية [.....] والذي يمثل مساحة الجهاز النفسي «.[16] ومن
بين المعطيات التحليلية الخاصة بالجسد نجد أيضا مسالة ارتباط التصور الجسدي بالمناطق
الشبقية ، فالتصور الجسدي هنا يتبع في تطوره مراحل التطور الجنسي عند فرويد ولقد
شرع F .Dolto
في تحليل انتاجات الأطفال فأعطى بعد Melanie Klein
فكرة تجريب الإيحائية في هذه الظاهرة ، فالهوامات
الجسدية تتشفف أو تتبدى من خلال جزء من الانتاجات الكتابية عند الأطفال الصغار
فاستنتج من خلالها أن الآلام تشكل الدور الرئيسي حيث تدير ما يسمى " بالاخصاء
الرمزي " [ castration symboligéne
] والذي يعرفه dolto
على انه ضمن مفهوم صورة الجسد ، لا تتم
مرحلة من مراحل نمو صورة الجسد إلا بالتخلي عن المصدر الأصيل و المباشر للإشباع ،
وذلك تبعا لآلية التسامي [ sublimation
] للانتقال إلى مصدر و منطقة أخرى للإشباع ، كما يربط نمو صورة الذات
بما يسميه مرحلة " الاخصاء السري" [castration ombilicale
] ثم تليها مرحلة الاخصاء الفمي ، ثم تليها
مرحلة الاخصاء الشرجي ، ثم تليها مرحلة الاخصاء الاوديبي .[17] أما
بعض التحليلين فقد حاولوا إعطاء هذا التصور الجسدي قانونا نظريا ؛ ومن بينهم نجد P .ferden
الذي شرح بان الأحاسيس تتكون من الإحساس بالأنا
النفسي و الإحساس بالأنا الجسدي .[18] إن
الاستعمال الأول لمصطلح [ le schéma corporel
] كان سنة (1923) وذلك على يد المحلل النفسي schilder
.P
والذي عمق دراسات التصور الجسدي ، حيث كرس إحدى أعماله الأساسية
سنة (1935) لدراسة التصور الجسدي ، حيث درس في جزئها الأساسي فكرة البنية الشبقية
[ structure libidinal
]
لهذا التصور والتي تمثل عنده»
الليبيدو يوضع في شكل تراكمات من المعطيات
الحسية «. ثم بعد ذلك نظر في مسالة علم اجتماع صور الجسد
؛ أي أن الصور الجسدية ليست معزولة ، فيمكنها أن تنشا على نفس مستوى الهوام ، فهي
تتفاعل و تستقى من بعضها البعض ، أو تتأكد عن طريق الإسقاط أو الاجتياف ؛ أي
الاندماج في شكل عناصر ، أو أن تتنافذ و تتداخل كليا.[19] إذا يمكن القول
بان schilder
قد قدم لنا الجسد كموجود [Existence
] منبع وموضوع للرغبة الليبيدية ، ويعيش في
علاقات مع الجسد الآخر ، وليس كما نظر إليه السيد Head
على انه مجرد موضوع [Objet
] يأخذ
نموذجه الوضعي منظورا فسيولوجيا خالصا ؛ بل أضاف إليه شلدر نموذجين من المعلومات تأتي
من النظام المرجعي للفرد هما : الليبيدو . و
المعلومات الاجتماعية .[20] ولقد اكدت العالمة J .chsseguet smirgel
(1963) على تمسكها بالفكرة الأصلية لـ Jaque Lacan
مع مفهوم "مرحلة المرآة" والتي
يرى Lacan
من خلالها أنها القانون الأساسي لصورة الجسد
، فبناء على فكرة عدم اكتمال النضج عند الولادة ، وقصور الطفل الإدراكي ، لا يمكن
للطفل أن يدرك جسده إلا بوصوله إلى التحكم في الربط بين الفضاء المرئي و الفضاء
المعاش ، وذلك بفضل النضج البصري ، وعبر صورة جسم الأم ، والإحساسات المتولدة عن
الجسد ذاته ؛ من كل هذا يمكن للطفل أن يرى جسمه فجأة فيتوحد فيه ، وهذا يتقرر في
حدود ستة أشهر من عمر الطفل ؛ أين يحاط الطفل بابتهاجات عند رؤية نفسه في المرآة .[21] التناول
البناؤمعرفي : لقد اكد H .wallon
على ان للواردات البصرية عبر النظام البصري اللواحقي دورا جد هام
بحيث ان الطفل في الشهور الاولى من عمره يدرك ان الصورة المرآوية لا تعدو ان تكون
مجرد انعكاس لصورة جسمه .[22] ومنه أكد على تأثير الفضاء المحيط وتأثره
بالواردات البصرية ، فعلى الرغم من ان العينين لا يمكنهما رؤية الجسم في كاملا –
انما فقط بصورة بصرية مؤقتة و مجزاة – الا انهما وفي نفس الوقت تقدمان صورة
ادراكية للجسم في كليته ( فعندما يرى على
سبيل المثال الرأس فقط في المرآة كانعكاس بصري ؛ فنحن ندرك هذه الصورة كلية ،
متاحة فيزيائيا لجسمنا ككل ، ولا ندركها كانها جزء من جسمنا ). فالطفل الذى يعي جسمه الخاص ( حتى دون سابق
تجربة بالمرآة ) سينجذب للصورة المنعكسة على المرآة ، ويكتشف مباشرة ان هذه الصورة
تخصه .[23] ورغم ان الطفلفي هذه السن لم يكتسب المهارات
اليدوية و الحركية اللازمة ، غير انه يكفي ليدرك هويته امتلاكه لعمليتين هامتين الأولى
فسيولوجية هي عملية الإبصار و الثانية معرفية هي تمكنه من عملية الترميز .[24]
[1]- B. Catherine et coll .Op cit .p 64 .
[2]- N. Sillamy « dictionnaire de la psychologie » édition : Larousse , bordeaux – France
,1997.p 233 .
[3]- B. Catherine et coll .Op
cit .p 65
[4]- Ibid .p65
.
[5]- J
. défontaine « manuel de rééducation
psychomotrice »tome 4 , edition : maloine , paris – France ,1980 p50
.
[6]- P .sivadon et F
.gantheret .Op cit .
[7]- فرج طه وآخرون » موسوعة علم النفس و التحليل
النفسي « دار سعاد الصباح : الكويت
، 1993 ص 438.
[8]- B. Catherine et coll .Op cit .p 66 / 67 .
[9]- فرج طه وآخرون ،
مرجع سابق . ص 439 .
[10]- حشاشي عبد الوهاب» إدراك صورة الجسم وعلاقتها بتكوين الاتجاهات النفسية نحو النشاط
البدني لدى تلاميذ المرحلة الثانوية « رسالة ماجستير ، غير منشورة ، جامعة الجزائر ، 1999 .ص 47 .
[11]- مهدي مبارك » اثر الإيقاعات الحركية العفوية في تقويم اضطرابات التصور الجسدي
عند الطفل المتخلف عقليا « مذكرة ليسانس ،غير منشورة ، جامعة المسيلة ، 2007 .ص 48 .
[12]- B. Catherine et coll
.Op cit .p 67.
[13]- Ibid .p68 .
[14]- Ibid .p.70/69
[15]- J .laplanche & J B .pontalis « vocabulaire de la
psychanalyse » P U F : paris-France , 10éme éd .1990.p108
[16]- Ibid .p 108.
[17]- B. Catherine et coll .Op cit .p 72 .
[18]- حشاشي عبد الوهاب ، مرجع سابق .
ص48 .
[19]- B. Catherine et coll
.Op cit .p 72/73 .
[20]- مهدي
مبارك ،مرجع سابق . ص48 .
[21]- B. Catherine et coll .Op cit .p 73 .
[22]- H .wallon .Op cit .p
52 .
[23]- Ibid .p57 .
[24]- B. Catherine et coll .Op cit .p 52