ولايــــة المديــــة
للمدية فضل على كل بلدة
بصحة جو و اعتدال هواء
و
ما هي إلا جنة قد تزخرفت
بفاكهة طاب و أعذب ماء
محمد بن شنب
اسمها و معناها الحقيقي
اختلف المؤرخون في
تسمية هذه المدينة وتعددت الروايات في صيغة و نسبة الاسم وفي التاريخ
فهل المدينة هي القرية الرومانية التي سبقت في نفس مكان مدينة المدية .يقول
البعض أن المدينة كلمة بربرية فبعضهم زعم أن معناها الأرض المرتفعة .وفي موضع
آخر يقول ابن خلدون هو اسم بطن من بطون الصهانجة واستولى محمد ابن عبد القوي
أيام بني عبد الواد لهذا بطن المسمى بأهله و نطق
بعضهم بملدونة و النسبة إليها للمداني.
تعريف ولاية
هي هيئة ذات حدود سياسية
تشكل جهازا سياسيا و تضطلع بمهام من اجل رفاهية الشعب و لها استقلال مالي و
معنوي .
تأسيس مدينة المدية
بالنسبة للمؤسس
الحقيقي لمدينة المدية فلا نعرف شيئا عن هذا وأما عن رواية من قال أن بلوكين بن زيري
هو الذي أسسها حوالي 350 ه فلم يثبت صحتها . ويعتقد انها وجدت قبل العهد الزيري بكثير،
واستدلوا بقول الشيخ سيد احمد بن يوسف ."المدية المهدية يدخلها الشر أصبح و يخرج
منها العشية لو كان هي امرة نأخذها غير هي".
زعم بعضهم أن المهدية
معناها أن البلدة قديمة عتيقة وأنها بنيت في مكان أخر نقاتها الملائكة
الى مكانها هذا وقال أبو عبيد البكري الأندلسي في كتاب "المسالك والممالك"
أن المدية بلدة قديمة و جليلة؛ قال الحسن ابن محمد ألوزاني الفاسي الأسد
الغرناطي
أن الأفارقة القدماء بنوا هذه المدينة في حدود ما كان يعرف بنوميديا وقال
مرمول وهو مؤرخ اسباني من القرن 16 عشر عاش مدة في المغرب الأوسط في جيوش
النصارى أن المدينة عتيقة أسست في سهل خصب جميل وهذا يؤكد كل ما
ذكرناه أن المدية سبقت بني زيري و أنها أقدم من أشير.
المدية في القرون الوسطى
إلى بني زيان
اجمع الكتاب على أن زيري
بن مناد هو من أسس أشير قرب حصن عرف فيما بعد بمنزه بنت السلطان على جبل
التيطري و كان تاسيس أشير حوالي سنة 324ه- 935م
وبنوا زيري من صهانجة
ومن أعوان الفاطميين على الخوارج وامتدت دولتهم في القرن العاشر الميلادي
من تيارت غربا شرقا ووضعت مراكز مثل الجزائر و مليانة و المدية، فضلهم
الفاطميون على غيرهم
لأنهم اقدر الناس على محاربة بدو الزناتة جيرانهم
في الناحية الغربية و لما تسلم زيري بن مناد سنة 349 ه- 960م؛ وفي الواقع
أن بولوغين لم يؤسس هذه المدن التي كانت موجودة من قبل بل ادخل عليها
تعديلات و
إصلاحات وقام بعملية البناء والتشييد.
المدية في عهد بني زيان
أصحاب تلمسان
عن ابن خلدون في الخبر
عن أبي يحيى يغمرسان بن زيان مؤسس هذه الدولة بتلمسان مع مغراوة وبني توجين في
الونشريس و السرسو و المدية ولهم قلعة بني سلامة التي أوت ابن خلدون وعندما
انتشر عهد الخلافة وكثر الخوارج بالجهات حيث تغلب بنو عبد الواد على نواحي تلمسان
إلى وادي صا وتغلب بنو توجين على مابين الصحراء و التل من بلدة المدية إلى جبل
الونشريس وبادر ملوك تلمسان بالاستيلاء على المدية بما لها من أهمية
إستراتيجية إذ أنها في طريق الجنوب وفي طريق
الشرق الجزائري ولما استولى محمد بن
عبد القوي على المدية وعلى ضواحيها انزل بها أولاد عزيز بن يعقوب من حشمه
وجعلها
لهم موطنا وولاية ولما عقد عثمان بن يغمرسان السلم مع يعقوب بن عبد الحق
المريني صرف وجهه إلى الأعمال الشرقية من بلاد بني توجين ومغراوة فصارت
بلاد
بني توجين كلها من عمله ثم نهض بعدها إلى المدية وبها أولاد عزيز فنازلها
وقام بدعوته فيها قبائل يعرفون بالمدية واليهم تنسب المدية فهؤلاء غدروا
حسب قول ابن خلدون بأولاد عزيز ومكنوا السلطان الزياني من البلدة.
نقل
الحضارة إلى المدية
إذا
كانت تلمسان قد حضيت بالحضارة و الفتح أولا ونالت شهرتها بسبب اعتناء الحكام
والأمراء المتعاقبين عليها فان المدية قد نالت نصيبا من هذا الاعتناء وذلك
عندما استولى عليها محمد بن عبد القوي على المدية و ضواحيها وانزل بها أولاد
عزيز بن يعقوب وجعلها لهم موطنا وأعلن استقلال الولاية.
شخصيات تاريخية شرفت مدينة المدية
في
عهد الدولة الموحدية نبغ في هذه الناحية شخصية لها وزنها في الحقل الثقافي
و العلمي و كان لها شان عظيم بين كبار العلماء و هو ابو محمد عبد الله الاشيري
نسبة الى بلدة أشير بالجنوب الشرقي من مدينة البرواقية في سفح جبل التيطري
والتي كانت عاصمة قبل تاسيس المدية.
كان رحمه الله إمام عصره في
الفقه و الحديث و الأدب انتقل إلى الشام وسكن حلب الشهباء ففاق بها جميع
علمائها كما قال ياقوت كان إمام أهل الحديث و الفقه والأدب بحلب خاصة و بالشام
عامة، يتسابق الناس إلى الاغتراف من علمه و التشرف بالانتساب إليه ويتفاحر الوزراء
و الملوك بمجالسته و الاسترشاد بعلمه و آرائه.
استدعاء الوزير أبو المظفر عون
الدين يحيى بن هبيرة وزير المقتفي وطلبه من الملك العادل نور الدين محمود بن
زنكي لتدريس علوم الحديث بدار السلام
ببغداد فسيره الملك إليه محفوفا
بالإجلال و الإكرام مصدرا هناك كتاب الافصاح و شرح معاني الصحاح بمحضر
الوزير مؤلف الكتاب نفسه وهو شرح يحتوي على عشرة كتب شرح بها الوزير أحاديث
الصحيحين وقد جرت للشيخ مع الوزير منافرة فتقاطعا ثم ندم الوزيرعلى موقفه هذا
اتجاه الشيخ فاعتذر اليه و اغدق عليه بره و احسانه ثم سار الشيخ من بغداد الى
مكة ثم عاد الى الشام فمات رحمه الله ببقاع بعلبك سنة 561ه-
1165م.
وهناك شخصية أخرى كان لها مجالها
في ميدان العلم و الثقافة وكان لها وزنها في بلاد الأندلس حيث مثلت عاصمة
المدية أشير في تلك الربوع وهذه الشخصية هى: الامام الحافظ موسى بن
الحجاج بن أبي بكر الاشيري وقد ولد في أشير وسكن مدينة دلس
بالجزائر و منها خرج في طلب العلم إلى الأندلس فدخل اشبيلية سنة 535ه اى 1140م
فلقي بها الإمام ابن العربي وأبا الحسن شريح بن محمد وأبا بكر ابن أبي طاهر ودخل
قرطبة فاخذ بها عن أبي عبد الله ابن اصبغ و أبي مروان ابن مسيرة... وسمع مشكل
ابن قتيبة عن أبي عبد الله بن وضاح بالمرية سنة 537ه الموافق لـ 1146م واخذ عن
أبي محمد عبد الحق بن عطية و لازم ابن أبي الخصال وأبا مجمد النفري
المرسي وأبا الحجاج بن يمشد العكيسي وأبا الوليد ابن الدباغ وأبا الحجاج بن
يسعون وبعد أن استكمل معلوماته هناك عاد إلى وطنه فنزل مدينة الجزائر وأصبح
إماما واعظا و خطيبا ونشر به علمه الغزير واحدث دويا في وقته ثم انتقل إلى مدينة دلس حيث الراحة والسكون حتى وافاه
الأجل في شهر صفر سنة 589 ه الموافق لـ 1193م
زائر في المدية
وهنا نقف قليلا
لنستريح من عناء السفر وطول السير في دروب التاريخ ويقال أن أهل المدية يكرمون
الضيف ويقدرون أهل العلم و... وهذه الميزة لا زالت فيهم لحد الآن ولندع المجال
لسائح و رحالة مشهور وهو الحسن ابن محمد الوزاني
الفاسي المعروف عند
الغربيين بالأسد الإفريقي فوصف المدية أحسن وصف حيث قال أن المدية مبنية في سهل
جميل خصب تسقيه انهار كثيرة وأهلها أغنياء يسكنون دورا جميلة و قد استقبلوني
بحفاوة وإكرام وكأني أمير المدية.
المدية تقدر العلم وتحترم العلماء
إن
الروح
الدينية التي ورثتها هذه البلدة منذ الفتح الإسلامي المبين جعلهم يحترمون كل ذي
قيمة علمية وخصوصا إذا تلبس لباس الإسلام وتدين بالكتاب و السنة وهذا ما صرح به
المشهور الحسن بن محمد الوزاني الفاسي فقال و إذا زارهم الأجنبي ذو علم ومعرفة
فإنهم يعظمونه
ويبقونه
عندهم ليفصل في قضاياهم ويعملون بقوله ويصوبون رأيه ومن هذه الملاحظة الوجيزة
إن احترامهم للأجنبي ليس احتراما لذات الأجنبي ولكن احتراما للعلم في ذاته
وللصواب في منطقه وللحق في عدله لذلك نجدهم يولونه منصب القضاء وان كان ضيفا.
المدية في عهد الأتراك
يقول البعض أن
الأتراك قصدوا
الجزائر ليتمتعوا بخيراتها و
البعض الآخر يقول أنهم حماة الإسلام من غزو الأسبان المتكالب على
الشواطئ
الجزائرية؛ بعد دخول الأتراك قسموا القطر الجزائري إلى أربع ولايات:
1- دار
السلطان وتشمل عمالة الجزائر اليوم، 2- بايلك الشرق وعاصمته قسنطنية، 3-
بايلك الغرب وعاصمته مازونة ومعسكر ووهران، 4- بايلك الجنوب
وعاصمته المدية. وكان تأسيس بايلك تيطري سنة 158م في عهد الباي حسن و نصب رجب
بايا عليها وكانت حدود ولاية تيطري هي الحدود الحالية لولاية التيطري. و كانت المدية
تقدم في عهد الأتراك بواسطة الباي زكاة الغنم
لبيت المال ويوزع شيء على أرباب الدولة وكذا في عيد الأضحى.
ومن أشهر البايات
الذي اشتهر وكان صالحا ورعا هو عثمان الكردي